أشباح منتصف الليل
(قصة قصيرة)
كانت السومة الحوراء كما يسمونها أهلُ القريةِ امراءةً سوداءَ طويلةَ القامةِ و على خديِّها خطوط خضراء من الوشمِ..
تربطُ منديلاً أحمراً على رأسِها و أخر على خصرها و تضعُ أساورَ من الحديدِ و النحاسِ في يديها و قدميها و هي تقولُ بأنها تحميها من الأشباحِ الشريرةِ التي تحاربها باستمرارِ و تسكنُ في كهفٍ قريبٍ من القريةِ..
نادراً ما يراها الناسُ نهاراً..
تخرجُ من كهفِها بعد انتصافِ الليلِ شاهرةٌ سيفَها الذي ورثته عن أحدِ أجدادها الذي كانَ من الفرسانِ كما يقال و من يراها يخالها خارجةً للمشاركةِ في حروبِ داحسٍ و الغبراءِ..
يشقُ زعيقُها سكونَ الليلِ في قريةِ قلنسيةِ الوادعةِ التي تنامُ على أحضانِ جبلٍ شامخِ من جانبِ و على شاطئِ البحرِ من جانبِ آخر و تحفها البساتينُ الخضراءُ و النخيلُ..
فتخرجُ من بيتِها بثورةٍ من الغضبِ و العصبيةِ الشديدةِ.. ملوحةً بسيفِها الثقيلِ اللامعِ و الذي تحرصُ على لمعانه دائماً..
و هي ترغي و تزبدُ و تتوعدُ و تتحدى و تقاتلُ أعداءً لا أحدٌ يراهم غيرها و تنادي بأعلى صوتها على أهلِ القريةِ و تحثهم على الخروجِ للدفاعِ عن القريةِ ضد هجومِ الأشباحِ القادمين لمهاجمةِ القريةِ كما تعتقدُ وعندما لم يخرجْ أحدٌ يزيدُ غضبُها و سخطُها على أهلِ القريةِ و يرتفعُ صوتُها فيصلُ إلى عنانِ السماءِ و هي تنادي عليهم واحداً واحداً بأسمائِهم و تتوعدُهم شرَّ وعيدٍ..
فيضحكُ الكبارُ و يدخلُ الرعبُ في قلوبِ الصغارِ.. كما كانتْ ترددُ بعضَ الحكمِ و الأحاديثِ و الأقوالِ المأثورةِ مثل سيأتيكم من بعدي زمنٌ ينطقُ فيه الحديدُ و يقربُ البعيدُ..
و سيأتيكم وحشٌ مصنوعٌ من حديدِ..
يحملُ الناسَ و المتاعَ إلى أقاصي الأرضِ و ينهبُ الأرضَ نهباً وهو من صنعِ هذه الأشباح الشريرة..
و سيأتي يومٌ تبحثونَ فيه عني فلا تجدوني لأن الأشباحَ تكونُ قدْ احرقتني و اخفتْ جثتي و حولتني إلى شبحٍ من أشباحها..
بعد ذلكَ تخرجُ إلى خارجِ القريةِ لملاقاةِ العدو المزعوم فتبتلعُ البريةُ صوتَها و يعودُ إلى القريةِ سكونُها و هدؤها مرةٌ أخرى..
و كانَ هذا ديدنها في كلِّ ليلةٍ لا يمنعُها مانعٌ حتى في الليالي الممطرةِ أو العاصفةِ كانتْ لا تتوانى عن الخروجِ و ممارسةِ طقوسَها المعتادةِ حتى باتتْ و كأنها جزءٌ من الليلِ في القريةِ..
و لكن في ليلةِ من الليالي غابَ صوتُها فلم تخرجْ كعادتِها من كهفِها و لم يسمعْ أهلُ القريةِ صوتَها و مرتْ تلكَ الليلةِ هادئةٍ مطمأنةٍ.. فعلمتْ الناسُ بأنه لابد حدثَ لها مكروهٌ فذهبَ الناسُ في الصباحِ للاطمئنانِ عليها و لكنهم لم يجدوها في كهفِها فبحثَ الجميعُ عنها في كلِّ مكانٍ ولكن لم يعثروا لها على أثرٍ و اختفتْ و اختفى معها صراخُها و زعيقُها و قضُها و قضيضُها إلى الأبدِ منذُ ذلكَ اليومِ..
و مرتْ الأيامُ و السنون و نستْ الناسُ ما كانَ من أمرِ السومةِ الحوراءِ..
و لكن بعد عشرين عامٍ على اختفاءِ السومةِ الحوراءِ ظهرتْ أولُ سيارةٍ تجوبُ شوارعَ القريةِ و أزقتَها الضيقةِ و قدْ جاءتْ بها الى القريةِ القواتُ البريطانيةُ التي كانتْ تحتلُ المنطقةَ و ظهرَ أولُ مذياعٍ في القريةِ فتذكرَ الناسُ ما قالته السومةُ الحوراءُ و تعجبوا من تحققِ نبوءاتها و قد كانوا الناس يعتقدونَ بأن ما تقوله مجردَ خرافاتً أو هذيان امرأة مخبولة..
عندَ ذلكَ اعتبروها الناسُ وليةً من أولياءِ اللهِ الصالحين و تحولَ كهفُها إلى مزارٍ..