..:: بسم الله الرحمان الرحيم ::..
لما علم كفار قريش أن رسول الله صلى عليه وسلم صار له أنصار من غيرهم ، اجتمع رؤساؤهم وكبارهم ليتشاوروا فيما يصنعون بالنبي(صل الله عليه وسلم) .فقال قائل منهم: نحبسه مكبلا بالحديد حتى يموت، وقال آخر: نخرجه وننفيه منبلادنا، فقال أحد كبرائهم: ما هذا ولا ذاك برأي؛ لأنه إن حُبس ظهر خبرهفيأتي أصحابه وينتزعونه من بين أيديكم، وإن نُفي لم تأمنوا أن يتغلب على من يحل بحيهم من العرب ؛ بحسن حديثه وحلاوة منطقه حتى يتبعوه فيسير بهمإليكم، فقال الطاغية أبو جهل: الرأي أن نختار من كل قبيلة فتى ثميضربه أولئك الفتيان ضربة رجل واحد؛ فيتفرق دمه في القبائل ؛ فلايقدر بنو عبد مناف على حرب جميع القبائل. فأعجبهم هذا الرأي واتفقوا جميعاً وعينوا الفتيان.
وفي الليلة التي أرادواتنفيذ هذا الأمر ، أعلم الله تعالى رسوله (صل الله عليه وسلم) بما أجمع عليه أعداؤه، وأذن له سبحانه وتعالى بالهجرة إلى يثرب (المدينةالمنورة)، فذهب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأخبره وأذن له أن يصطحبه ،واتفقا على إعداد الراحلتين اللتين هيأهما أبو بكر الصديق لذلك، واختارادليلا يسلك بهما أقرب الطرق، وتواعدا على أن يبتدئا السير في الليلة التياتفقت قريش أن تقتل رسول الله (صل الله عليه وسلم) فيها .
وفي تلك الليلة طلب (صل الله عليه وسلم) من ابن عمه علي بن أبي طالب أن ينامفي مكانه. ثم خرج صلى اللهعليه وسلم، وفتيان قريش متجمهرون على باب بيته وهو يتلو سورة (يس)، فلميكد يصل إليهم حتى بلغ قوله تعالى: (فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَيُبْصِرُونَ)، فجعل يكررها حتى أغشى الله تعالى أبصارهمفلم يبصروه ولم يشعروا به، وتوجه إلى دار أبي بكر وخرجا معاً وتوجها إلى جبل ثور بأسفل مكة فدخلا في غاره. وأصبحت فتيان قريش تنتظر خروجه (صل الله عليه وسلم) ، فلما تبين لقريش أنفتيانهم باتوا يحرسون على بن أبي طالب لا محمداً (صل الله عليه وسلم) ، غضبوا غضبا شديدا ، وأرسلوا رسلهم في طلبه والبحث عنه ، وجعلوا لمن يأتيهم به مائة ناقة،
فذهبت رسلهم تقتفي أثره،وقد وصل بعضهم إلى ذلك الغار الصغير الذي لو التفت فيه قليلا لرأى من فيه، فحزن أبو بكر الصديق رضي الله عنه لظنه أنهم قد أدركوهما، وقال يا رسول الله لو أن أحدَهم ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه. فقال له النبي(صل الله عليه وسلم) :" يا أبا بكر ما ظنُّكَ باثنين الله ثالثهما ".، فصرف الله تعالىأبصار هؤلاء القوم وبصائرهم حتى لم يلتفت إلى داخل ذلك الغار أحد منهم، بلجزم طاغيتهم أمية بن خلف بأنه لا يمكن اختفاؤهما بذلك الغار لِمَا رأوه من نسجالعنكبوت وتعشيش الحمام على بابه. وقد أقام رسول الله(صل الله عليه وسلم) وصاحبه بالغار ثلاث ليال حتى ينقطعطلب القوم عنهما، وكان يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ثم يصبح في القومويستمع منهم الأخبار عن رسول الله وصاحبه فيأتيهما كل ليلة بما سمع، وكانتأسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام في كل ليلة من هذه الليالي، وقد أمرعبد الله بن أبي بكر غلامه بأن يرعى الغنم ويأتي بها إلى ذلك الغار ليختفيأثر أقدامه وأثر أقدام أسماء.
واستمر رسول الله وصاحبه في طريقهما حتى وصلا قُباء، من ضواحي المدينة، في يوم الاثنين من ربيع الأول، فنزل بها رسول الله (صل الله عليه وسلم) علىبني عمرو بن عوف ومكث رسول الله (صل الله عليه وسلم) بقباء ليالي؛أنشأ فيها مسجداً، وصلى فيه (صل الله عليه وسلم) بمن معه من المهاجرين والأنصار،وقد أدركه (صل الله عليه وسلم) بقباء على بن أبي طالب رضي الله عنه بعد أنأقام بمكة بعده بضعة أيام ليؤدى ما كان عنده من الودائع إلى أربابها.